سورة المؤمنون - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المؤمنون)


        


قوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ} قال الحسن ومجاهد وقتادة والسدي والكلبي وجماعة: أراد به محمدا صلى الله عليه وسلم وحده على مذهب العرب في مخاطبة الواحد بلفظ الجماعة. وقال بعضهم: أراد به عيسى. وقيل: أراد به جميع الرسل عليهم السلام، {كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ} أي الحلالات، {وَاعْمَلُوا صَالِحًا} الصلاح هو الاستقامة على ما توجبه الشريعة، {إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} {وَإِنَّ هَذِهِ} قرأ أهل الكوفة: وإن بكسر الألف على الابتداء، وقرأ الباقون بفتح الألف، وخفف ابن عامر النون وجعل إن صلة، مجازة: وهذه {أُمَّتُكُمْ} وقرأ الباقون بتشديد النون على معنى وبأن هذا، تقديره: بأن هذه أمتكم، أي ملتكم وشريعتكم التي أنتم عليها، {أُمَّةً وَاحِدَةً} أي ملة واحدة وهي الإسلام، {وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} أي: اتقوني لهذا.
وقيل: معناه أمرتكم بما أمرت به المرسلين من قبلكم، فأمركم واحد، {وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} فاحذرون. وقيل: هو نصب بإضمار فعل، أي: اعلموا أن هذه أمتكم، أي ملتكم، أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون. {فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ} دينهم، {بَيْنَهُمْ} أي: تفرقوا فصاروا فرقا، يهودا ونصارى ومجوسا، {زُبُرًا} أي: فرقا وقطعا مختلفة، واحدها زبور وهو الفرقة والطائفة، ومثله الزبرة وجمعها زبر، ومنه: {زبر الحديد} [الكهف- 96]. أي: صاروا فرقا كزبر الحديد. وقرأ بعض أهل الشام {زبرا} بفتح الباء، قال قتادة ومجاهد {زبرا} أي: كتبا، يعني دان كل فريق بكتاب غير الكتاب الذي دان به الآخرون. وقيل: جعلوا كتبهم قطعا مختلفة، آمنوا بالبعض، وكفروا بالبعض، وحرفوا البعض، {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ} بما عندهم من الدين، {فَرِحُونَ} معجبون ومسرورون. {فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ} قال ابن عباس: في كفرهم وضلالتهم، وقيل: عمايتهم، وقيل: غفلتهم {حَتَّى حِينٍ} إلى أن يموتوا. {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ} ما نعطيهم ونجعله مددا لهم من المال والبنين في الدنيا.


{نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ} أي: نجعل لهم في الخيرات، ونقدمها ثوابا لأعمالهم لمرضاتنا عنهم، {بَل لا يَشْعُرُونَ} أن ذلك استدراج لهم. ثم ذكر المسارعين في الخيرات فقال: {إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ} أي: خائفون، والإشفاق: الخوف، والمعنى أن المؤمنين بما هم عليه من خشية الله خائفون من عقابه، قال الحسن البصري: المؤمن من جمع إحسانا وخشية، والمنافق من جمع إساءة وأمنا. {وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ} يصدقون. {وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ}. {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا} أي: يعطون ما أعطوا من الزكاة والصدقات، وروي عن عائشة أنها كانت تقرأ {والذين يأتون ما أتوا} أي: يعملون ما عملوا من أعمال البر، {وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} أن ذلك لا ينجيهم من عذاب الله وأن أعمالهم لا تقبل منهم، {أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} لأنهم يوقنون أنهم يرجعون إلى الله عز وجل. قال الحسن: عملوا لله بالطاعات واجتهدوا فيها وخافوا أن ترد عليهم.
أخبرنا أبو سعيد الشريحي، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي، أخبرنا عبد الله بن يوسف، أخبرنا محمد بن حامد، حدثنا محمد بن الجهم، أخبرنا عبد الله بن عمرو، أخبرنا وكيع عن مالك بن مغول، عن عبد الرحمن بن سعيد بن وهب، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} أهو الذي يزني ويشرب الخمر ويسرق؟ قال: «لا يا بنت الصديق، ولكنه الرجل يصوم ويصلي ويتصدق ويخاف أن لا يقبل منه».


قوله عز وجل: {أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ} يبادرون إلى الأعمال الصالحات، {وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} أي: إليها سابقون، كقوله تعالى: {لما نهوا} أي: إلى ما نهوا، ولما قالوا ونحوها، وقال ابن عباس في معنى هذه الآية: سبقت لهم من الله السعادة. وقال الكلبي: سبقوا الأمم إلى الخيرات. قوله: {وَلا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} أي: طاقتها، فمن لم يستطع القيام فليصل قاعدا، ومن لم يستطع الصوم فليفطر، {وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ} وهو اللوح المحفوظ، {ينطق بالحق} يبين بالصدق، ومعنى الآية: لا يكلف الله نفسا إلا وسعها إلا ما أطاقت من العمل، وقد أثبتنا عمله في اللوح المحفوظ، فهو ينطق به ويبينه. وقيل: هو كتب أعمال العباد التي تكتبها الحفظة، {وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} ولا ينقص من حسناتهم ولا يزاد على سيئاتهم. ثم ذكر الكفار، فقال: {بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ} أي: في غفلة وجهالة، {مِنْ هَذَا} أي: من القرآن، {وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ} أي: للكفار أعمال خبيثة من المعاصي والخطايا محكومة عليهم من دون ذلك، يعني من دون أعمال المؤمنين التي ذكرها الله تعالى في قوله: {إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون}، {هُمْ لَهَا عَامِلُونَ} لا بد لهم من أن يعملوها، فيدخلوا بها النار، لما سبق لهم من الشقاوة. هذا قول أكثر المفسرين. وقال قتادة: هذا ينصرف إلى المسلمين، وأن لهم أعمالا سوى ما عملوا من الخيرات هم لها عاملون، والأول أظهر. {حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ} أي: أخذنا أغنياءهم ورؤساءهم، {بِالْعَذَابِ} قال ابن عباس: هو السيف يوم بدر. وقال الضحاك: يعني الجوع حين دعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «اللهم اشدد وطأتك على مضر، واجعلها عليهم سنين كسني يوسف» فابتلاهم الله عز وجل بالقحط حتى أكلوا الكلاب والجيف. {إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ} يضجون ويجزعون ويستغيثون، وأصل الجأر: رفع الصوت بالتضرع.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8